"رجلٌ جميلٌ"
جمال غصن
"للأسف، أعتقد أنه من المستحيل أن تسيطر على كل الإعلام. بالطبع، إلاّ إذا كنت روبرت موردوك . إنّه رجل جميل." الكلمات هذه لشخصية كرتونية في "السمبسونز" تتّصف بالعوارض النفسية التي تعرف مجتمعة بالثالوث القاتم وهي النرجسية والمكيافيلية والسيكوباتية أو الإضطراب العقلي. هكذا يتحسر السيد بيرنز اللذي يمقته جميع أهالي سبرينغفيلد لجشعه الذي لا يرحم على أنه لم ولن يصل إلى مستوى موردوك ويحسده على قدرته الاحتكارية في سوق الإعلام. طبعاً يسجّل هنا لموردوك أن هذا الكلام الساخر يبثّ على شبكة فوكس وهي احدى الشبكات المملوكة من مجموعة نيوزكورب التي يرأسها ويملك حصة الأسد فيها موردوك نفسه. فتقبُّل القليل من النقد من برنامج أثبت نجاحه الشعبي والأهم من ذلك نجاحه المادي على مدى عقدين من الزمن لا يتنافى قطعاً مع الإيديولوجية اليمينية المتطرفة التي تروج لها فوكس نيوز، أشهر قنوات موردوك الإخبارية. يجدر الذكر أن إسم موردوك اسكتلندي الأصل وأن لفظ موردوخ بالخاء بدلا من الكاف يعود إلى جذور الكلمة النورسية، غير أن طريقة التهجئة العربية للإسم لا يخلو في بعض الأحيان من قدرٍ من الخباثة، إذ أنه يراد الإيحاء بأن لموردوك خلفية عرقية مختلفة عن ما هي وكأن عرق الرجل يزيد أو ينتقص من جماله.
إختار موردوك دخول السوق العربية للتلفزة من باب الإستثمار بما هو موجود على الأرض أو بالأحرى في الفضاء، واستغل الأزمة المالية العالمية التي أثرت على السيولة النقدية لأمير روتانا لينقذ الشركة في محنتها بضخ مبلغ يعطيه فيها حصة الخُمس والأرضية الجاهزة لإطلاق مشاريع مشتركة تجلب الثعلب إلى بيوت العرب. ويبدو للوهلة الأولى أن التزاوج بين الشريكين الجديدين أمر طبيعي جدّاً بل يُستغرب كيف لم تتم الشراكة من قبل إذ ان كل رجل منهما أجمل من الآخر وفقاً لمعيار "مستر بيرنز" للجمال.
تطرح الشراكة بين العملاقين الإعلاميين تساؤلات حول تأثير العلاقة الجديدة على العمليات القائمة وما قد تنجبه من بدع صورية على شاشات عوّدت المشاهدين على ثقافة البدعة. وما هي ارتدادات هذا الحدث على السوق المحلية وبالأخص على المؤسسة اللبنانية للإرسال التي تربطها علاقة مالية بهذه الصفقة. فال"ال بي سي" لا تزال تتربّع على عرش التلفزة اللبنانية رغم الخضات التي حصلت لها في السنوات القليلة الماضية. فقد تداركت الإدارة الإنحدار السريع في الحقبة الجعجعية التي مرّت بها المحطة في أيام الثورة لتحافظ على نوعية مهنية وتنوعية غائبة إلى حد كبير في القنوات المنافسة. هناك تحفظات كثيرة على أداء ال"ال بي سي" لكن عندما تكون المنافسة هي عبارة عن أبواق حزبية غير مستترة يصبح إستسخاف المشاهدين نعمة مقارنة بإستغبائهم، فتبقى الجرعات المفرطة من شربل خليل أسهل هضماّ من "الفتّيحة" البرتقالية على سبيل المثال. تشكل حال السوق هذه أرضية خصبة لثقافة نيوزكورب ومن المتوقع أن تزيد المسافة بين ال"ال بي سي" ومطارديها إذا ما طبقت بعد المعايير الفوكسية التي غالبا ما تتكل على إبهار المشاهد بأحدث تقنيات الصورة. فالصورة الجميلة تضفي مصداقية هوليوودية للمضمون، وعندما تغيب المنافسة تختفي الحاجة أصلاً إلى مضمون. هنا يكمن جمال الإحتكار وهكذا يصبح روبرت موردوك حقّاً "رجلٌ جميلٌ".