تشكّل بنما وكوستاريكا ونيكاراغوا وهوندوراس والسلفادور وغواتيمالا وبيليز ما يعرف بأمريكا الوسطى، وهو برزخ جغرافي يفصل بين الأميركيتين الشمالية والجنوبية. تأوي البلاد السبعة المذكورة ما يزيد عن الأربعين مليون نسمة يتكلمون لغات عديدة أبرزها الاسبانية والإنكليزية والكريولية ولغات منحدرة من حضارة المايا. كما توفر بيئة البرزخ الاستوائية ظروفاً مثالية للتنوع البيولوجي إذ تحتضن غابات وبحيرات أمريكا الوسطى الممتدة على مساحة نصف مليون كيلومتر مربع، سبعة في المئة من التنوع النباتي والحيواني في العالم.يحدّ أمريكا الوسطى من الشمال المكسيك ومن الجنوب كولومبيا، وتبلغ المسافة الفاصلة بين هذين البلدين حوالي ثلاثة آلاف كيلومتر، أي ما يقارب المسافة الممتدة بين النقّاش والشانزليزيه. تأوي منطقة النقاش استوديوهات تلفزيون "أم تي في" الذي عاد إلى الفضاء العربي منذ حوالى سبعة أشهر، ويحاول أن يتخطّى ما يعتبره كثيرون فضيحة الصرف الجماعي لموظفيها، عبر إطلاق باقة خريفية من البرامج تثبت من خلالها ثقل شاشتها على الساحة اللبنانية بشكل عام والمتنية بشكل خاص.
اختارت القناة مسلسل "غرام وانتقام" لملء كوتا المسلسلات المدبلجة في شبكة برامجها، وبثّت حلقته الأولى مساء الإثنين الفائت. الملفت في إعلان المسلسل هو أن "أم تي في" تغري مشاهديها وتعدهم "بمشاهد خلابة من المكسيك" حيث تجري أحداث "غرام وانتقام" وفقاً للإعلان.
بهذه الكلمات يصبح "غرام وانتقام" "مكسيكي" بالقوة، رغم أن المسلسل الذي يحمل عنوان "Pasion de Gavilanes" (ومعناها الحرفي "شغف الصقور") دبلجة عربية لمسلسل من إنتاج كولومبي ومصور في كولومبيا مع ممثلين بمعظمهم كولومبيين وناطق في نسخته الأصلية بلهجة كولومبية بارزة. لكن بفضل إعلان "أم تي في" تختفي مسافة الثلاثة آلاف كيلومتر التي تفصل المكسيك عن كولومبيا والنقّاش عن الشانزيليزيه؛ تُختزل شعوب وحضارات وتغرق أميركا الوسطى وبلادها السبعة في محيط من الجهل اللغوي والجغرافي.
هي ليست المرة الأولى التي تعرّف فيها محطات لبنانية عن مسلسلات برازيلية أو كولومبية بأنها "مكسيكية"، وهذه المرة حطت الموضة عند "أم تي في" التي "تتباهى" باعتمادها "اللغة اللبنانية" التي هي عبارة عن عربية بلكنة مشرقية مطعّمة بمزيج "حضاري" من الفرنسية الباريسية والإنكليزية الهوليوودية. ورغم إصرار القناة على إبراز قدراتها بالتقرّب لغوياً من الغرب، فقد فاتتها نقطتين مهمتين: الأولى هي أن الإسبانية أو "المكسيكية" هي اللغة الأكثر انتشاراً في الغرب، ومع ذلك يبقى هناك مفهوماً واحداً لدى القناة للتماهي مع الغرب (أي هذا المزيج فرنسي الانكليزي)، وثانياً أن للّغة علاقة بديهية وتاريخية بالجغرافيا، بعكس المفهوم الاقصائي الذي تعتمده القناة (وكولومبيا كانت الضحية هذه المرة).